Skip to content

رواية موت الآنسة ألكسندرين تين في ليبيا

الإستكشاف | شعرية تاريخ ليبيا

في الاستكشاف شعريةٌ وبعدٌ وجودي حرٌ ونداءٌ مُلحٌ وصامتٌ. دعوةٌ للتجوال الحائرِ في المجهول، وراءَ الخفي والغامض من سيرةِ الإنسان، في الاستكشاف روحٌ لا يمكن إخضاعها، حدادٌ كأغنيةِ البجع الأخيرةِ، وافتتانُ العاشقِ في مواجهة المتعةِ الحزينةِ من تأمل الكثبان وظلالها الجريحة.
ليبيا تلكَ الجغرافيا التي تحمل ألمنا مثل صخرةٍ ناتئة، واللغةُ التي ترضع اطفالها اسطورة النار القديمةِ في عيون الغريب، تلك الأرض الخصبةُ بشعرية التاريخ كدمعةٍ معزولةٍ من بقايا الزمن المكسور على حجرٍ صغير.

قراءة من كتاب سرير هوميروس

سرير هوميروس | سرير من غمغمات النبوءة وخشب الصندوق

قرأة من كتاب سرير هوميروس، فصل سرير من غمغمات النبوءة و خشب الصندوق

تلك الأواني من الفخار هي السرد الأسمى لمقاومة هذه المدينة، تحت هذه المدينة تتحرك جذور التاريخ، أنا أسمع صوت الهياكل العظمية والجدارن وهي تتحرك أثناء الليل، هذه المدينة المرنة التي تذوب في الملح وتمتص شمس النهار وطعم البحر وتمسك بقلوبنا  مثل يدِ شخصٍ يعرف نشوة الزمن،لا تقبل أن يضرب السوط خاصرتها مثل عبد في زمن الحرية، الكلمات التي يقولها الأفاقون أو السياسيون مصيرها الغرق في هذه السبخة المالحة، كل ما يحدث الآن ستجذبه موجة وتأخذه يد البحر وتمنحه إلى دوامة في عمق البحر، لن يبقى شيء من كل هذا الهراء الذي تسمعه، أما هي فستُبقي السقف الذي يغطينا جميعا، ما عليك سوى أن تحفر بيدك في أي مكان من هذه المدينة لتجد مدينة أخرى كانت قبلها، وعندما تجد مدينة واصل الحفر وستجد مدينة أخرى، مدينة نصف نائمة، مدينة حريرية، مدينة غارقة في دموعها، وأخرى فيها حدائق ذهبية، لكن المدينة لن تكون موجودة إذا لم يخترعها شخص ما”

قراءة من كتاب سمعان القوريني | الليبي الذي حمل الصليب

الأيادي الحزينة | الأزرق الحزين

قرأة من كتاب الأيادي الحزينة، فصل الأزرق الحزين

عندما نظرت إلى يديكِ أول مرة اكتشفت أنها لا تنتمي للأبيض أو الأسود،لا تنتمي للعالم القديم قبل نيوتن الذي اكتشف عام 1666م أن مرور اللون الأبيض النقي من خلال المنشور الثلاثي يُظهر الألوان الأساسية في قوس قزح،يداكِ لا تنتمي للعالم قبل نيوتن،بل تنتمي لعالم الأزرق الممتع،هناك زيف في هذا العالم،وهناك أزرق زائف،العالم الزائف هو عالم الانقطاعات و التمزق و الفساد،عالم مليء بالنسخ،بالتكرار،بالذكاء المصنوع من الملل،يداكِ لا تنتمي لعالم الأزرق الزائف،بل إلى عالم الأزرق الفاتح للشهية،الأزرق الذي لا يجذب الطفيليين،لا يجذب العادي و المتوقع،لهذ نجد عددا قليلاً جدا من الأشياء الزرقاء في هذا العالم،السماء زرقاء،البحر أزرق،وقد نجد بعض الطيور زرقاء،لكن لا يوجد طعام أزرق،لا توجد تفاهة زرقاء،يداكِ ككل الأشياء الزرقاء العميقة و اللانهائية و التي ليست في متناول اليد،النظر إلى يديكِ يردم الهوة بين الجسد و الأدب،يداكِ هي مكان التفاعل بين الجسم و الرؤية،الأدب الرديء يصدر الحياة من خارج النص إلى داخل النص،الأدب الخطير يصدر الحياة من داخل النص إلى الخارج،الرؤية هنا لا تفكر في سوء الفهم،بل في سوء الكتابة،على الأدب أن يخترع الأزرق في الأدب،أن يرسم أشياء زرقاء يمكن إضافتها إلى هذا العالم البائس،يداكِ تظهر دون نظرة عفا عليها الزمن،تظهر دون تردد أو مواربة،تظهر  كالسماء،كالبحر،كالطيور الزرقاء فوق غصن في نهار جميل،ما تؤكد عليه يداكِ هو حتمية الكتابة،وحتمية تحول يديكِ إلى أدب دون مساعدة من البلاغة،بل بمساعدة من غبار الألوان على قماش اللوحة،لأن يديكِ تؤكد أن الأزرق في الأدب و الفن هو الأفكار،و أن الأفكار  أهم من كتابة السطور،الأفكار أهم من الألوان على القماش،الأزرق هو أن تجلس في غرفة واسعة و لا تشعر بالوحدة،لأن العزلة هي الأزرق القادر على التوفيق بين فراغ الورقة الخامل و الكلمات،بين الخطوط العريضة و المساحة الفارغة في قماش اللوحة،يداكِ هي الخط الأزرق المائل الذي يبدو غير مرئي لكنه يقول كل شيء عن لوحة “عارية تهبط السلم” لدوشامب.

كل رؤية ناضجة تمقت العالم،هذه الرؤية تحتاج إلى براعة أعلى من العواطف،تحتاج عدم الوقوف طويلا في نقاط تقاطع لا تقبل النظر إلى عوالم أخرى غير هذا العالم الذي تتساقط ملابسه أمامنا مع كل حرب،و في كل مجاعة،الرؤية في هذا العالم مكان للتعذيب،أو هندسة لسخرية مُرّة،فقط عندما أنظر إلى يديكِ أفهم معنى الموعد النهائي مع براعة العواطف،هناك على حدود غياب كل الآلام التي عرفناها تقف تفاصيلنا الرائعة و الحارقة من شدة توهجها،هناك في آخر نقطة من الضوء و الظل،من الحنين و اللوعة،هناك بعيدا عن مركز كل شيء،بعيدا عن مجموع كل المعرفة الساذجة،بعيدا عن جمهورية أفلاطون،وانتصار عصر التنوير بطريقة بسيطة و قاسية في نفس الوقت،أجد يديكِ و المكان يرتجف بسبب الأزرق المشبع بالحنان،أجد التاريخ وهو يولد للمرة الأولى مع الخبز،كتب هذا التاريخ مأساوية لكن مضيئة،هذه الكتب تتحدث عن الأزرق الحزين،تتحدث عن صباحات لها جيوب باردة،و وجوه شفافة مطوية في علب اللبن،كم رغيف يحتاج الجوع كي يفسر لنا العالم،الأزرق الحزين هو تاريخ مناقير الدجاج التي تضرب الأرض من أجل حبة قمح،مالارميه وهو يكتب “أزمة الدود” كان يفكر في طريقة لرؤية المناقير و هي تضرب الأرض،يفكر في المعنى الحقيقي لموت فيكتور هوجو،يفكر في النبؤات التي لا تتحقق أبدا،يكتب عن الأحلام الممزقة،عن الانسحاب بعد خيبة أمل مضحكة،كانت براعة مالارميه أعلى من العواطف،لكنه لم يتجاوز قول أحد أبطال بيكيت:”النهاية موجودة في البداية ومع ذلك علينا الاستمرار”،لم ينسَ زولا و لا مالارميه أن الماضي غير قابل للإصلاح،و أن المستقبل لا يمكن التمرد عليه،لا يمكن التمرد على العلم أو التوقف عن تقديم التنازلات له،الأزرق الحزين هو الأدب الذي لا يستطيع مقاومة العلاقة بين الفرح في عينيكِ و الحزن الذي تتكلم عنه يداكِ،لا مزيد من القصص،فلا وجود لبداية أو نهاية مناسبة،الأدب لم يعد يتذكر الوعد الذي قطعه على نفسه أمام الحياة،حركة يديكِ هي الوعد،هي التاريخ وهو يتساءل عن نفسه أمام هيجل،حركة يديكِ لا تقبل أبدا أن يكون التاريخ مجرد تمرين في السلبية.