Skip to content

مقاطع سردية

مقطع 1

لن أكذب،لن أخدع القارىء بسبب ضرورة السرد و أنا أتحدث عنها،لن أحاول السيطرة على صورتها،أو السيطرة على المشهد الاصلي لي معها في هذه الصورة،أو أخجل لأن القارىء سيكتشف بسهولة أنني أنتمي إليها،لقائي بها كان خارجا عن كل إمكانية،وخارجا عن كل استحالة،كان نوعا من الادخار،نوعا من توفر الأسباب غير الممكنة لما يمكن القيام به،ويمكن القول أيضا من وجهة نظر التاريخ و الذاكرة أن لقائي بها كان بأثر رجعي،مع أول كلمة منها نسيت اهتزاز العالم،نسيت الوجود من أجل السخرية،نسيت ان العالم موجود فقط من أجل تحقيق مخاوفنا،كانت تقف هناك،في وسط الحياة الكبيرة،بفستانها الأسود الخفيف،بصمتها الذي تفوح منه رائحة المخاتلة،تكلمني من هناك،في غياب الصوت،في غياب انتظام دقات قلبي،في غياب الفرح الوحيد دائما مثل شاعر،هي كانت تكلمني بكلمات تشبه الأفق الذي اختفى خلف الأشجار،حتى في الأيام التي كانت فيها المعرفة بدائية،حتى في الأيام التي كانت فيها رغبة الإنسان منقسمة على نفسها كانت تصل إلى قلبي كدلو ماء صعد من الأرض فجأة،لم يكن أحدا غيرها يعلم بمقدار حزني،أو مقدار ولعي بهذا الحزن،لم يقرر أحد غيرها هدم عزلتي وبناء عزلة من نوع آخر مكانها،وحدها كانت تعرف منذ ألف عام معنى هدم الجدار الفاصل بين العذاب و لغة العذاب،وحدها كانت تعرف المعنى الحميم للعدوانية،للتجاوز،للتعدي،و المعنى المفرط في حنانه للعجرفة و الأنانية،واقفة هناك،تعلمني كيف يكون نسيان الخجل إنجاز يضمن عدم إخفاق الحياة.

لم تكن تمارس الضغط على نفسها كفنانة بنفس القدر الذي تمارسه عليَّ أنا ككاتب،كانت تتكلم عن الكتابة كوصفة طبية يجب أن اكتبها لها،أو كطعن فيها يجب أن يكتب بشكل رفيع،كانت قبل أن تجدني جالسا في المسافة بين غير المبالي،والباحث عن ممر للرجاء،تعيش في هامش من العناد اللذيذ،مذعورة،قلقة،وتشعر بأن السكون يهتز من حولها،وتلوح بيدها إلى حلم لا ينهزم بسهولة،يدها الجميلة و المتحفظة للغاية،يدها الخجولة بسبب مزيج الأحزان المتلصق بها،يدها التي تلون العالم على مهل و لا تأخذ ابدا قسطا من الراحة،لم يكن شيئا فيها قد تصدع بسبب التجارب الصعبة،لا مرارة و لا ندم،فقط كآبة حلوة وبعض الهذيان مع نظرة ذات نزعة تخريبية،الحياة بالنسبة لها بئر من الوهم الجميل،أو مغالطة لا يجب تصحيحها،تقوم بحركاتها المعاندة،تثير الضجيج في وسط الغرائز الاساسية،ثم تترك كل شيء لتجلس بهدوء وفي يدها كتاب،أنا الذي كانت تكلمه منذ ألف عام،لم يكن خيار الأنتظار مطروحا بالنسبة لي،لهذا وبلا منولوج داخلي سخيف،بلا مخاوف يجب طردها،بلا تفكير في احتمال هروبها مني،أو احتمال هروبي أنا منها،أخذتها من يدها وطلبت من العالم الابتعاد عنها قليلا.

مقطع 2

في وقت مبكر من حياتي أفزعني أن تكون هناك مواد دراسة اسمها التاريخ و الجغرافيا،كنت أظن أن الكتب كافية لمعرفة ما نسيناه جميعا،كنت أظن أن خط الكتابة هو الخط الوحيد الشفاف،لكن خطوط الخرائط تحب الهواء الطلق والسير مع الريح،نعم أفزعني بشكل مفرط أن تكون ذاكرتي هي ذاكرة الإنسانية،وأن يتحول جسدي إلى أرض وتفكيري إلى شارع طويل مرت عبره كل أفكار البشرية عن نفسها،كان مدرس مادة الاجتماعيات من أبناء الحي،أما باقي المدرسين فكانوا من مصر الشقيقة،العالم في حصة الاجتماعيات يبدو أكثر من تام،وصبراوي بطريقته على لسان الأستاذ خليفة،قررت أن أقرأ كل الكتب،أن أمشي مع خطوط الخرائط في كل اتجاه،لم يكن هذا القرار مجرد فكرة في زمن المراهقة، ولا مجرد صدفة،جاء هذا القرار بعد مرور الأستاذ خليفة على بيتنا وأخذي من يدي إلى المركز الثقافي بحي الصابري،كأنه أراد أن يعطيني حق التلذذ بادخار السر،لقد كان مشهد الكتب على الرفوف من الأرض وحتى السقف يشبه عنف البحر،مشهد مفرط في جماله ومرعب في نفس الوقت،ذهبت مباشرة إلى الرفوف،كنت مخترقا بهذه المهارة التي تمتلكها الكتب في جذب الناس إليها،لمست الكتب،أصابعي تمر من كعب كتاب إلى آخر،وفي نفس الوقت رأسي يميل يسارا ويمينا لقراءة العناوين،سمعت الأستاذ خليفة يضحك ومعه مسؤول المركز،لم أفهم سبب هذه الضحكة إلا بعد وقت طويل،جلست إلى طاولة طويلة وجاء الأستاذ خليفة بأطلس العالم ووضعه أمامي،كان لابد من تصفية عدد كبير من أصدقائي للجلوس هناك لفترة طويلة و الاستمتاع بالنظر إلى خطوط الأطلس الطويلة و المتعرجة،الخط كان يبهرني بشكل غامض،نزوة الخط في الخريطة وفي الكتابة،نزوة الخط تكره التسويات من أي نوع،هذه النزوة لم تعد تسمح لنا بالكلام،لا شفاء من ولع النظر إلى الخط الذي لا يتحرك إلا من أجل الشر و المتعة،والدي كان ينتظر توقف تبجحي بالذهاب إلى المركز الثقافي و العودة منه بكتب كثيرة كل أسبوع،سهولة الحياة مع الكتب كانت تشكل عبء على كاهل والدي،بعد فترة عرف أنها ليست مجرد نزوة،عرف من نظرتي الجديدة إلى وجهه أن جاذبية الكتب ليس لها تفسير،ولا شفاء من أذى الكتب إلا بقراءة الكتب،أصبح يكتفي بالابتسام في وجهي بدلا من التعبير عن غيظه بصوت عال،والدي لم يعرف معنى أن لا يتناقض الشغف مع اللامبالاة،وأن الكتب يمكن الاستمتاع بها دون حبها بشكل فاضح،وجاءت لحظة قرر فيها أن أذهب في الطريق إلى نهايته،لقد أخذ هو نفسه _ويال المفارقة_خيط الأدب وعقده مع خيط التاريخ و الجغرافيا،ففي ديسمبر 1981م كنت أشعر برهبة و أنا على سلم الطائرة المتجهة إلى أثينا،خوف يليق بمراهق لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره،صحيح أن هذا المراهق من الصابري،حي البحر و الضياع الذي أنهى الصفقة مع الخير منذ زمن بعيد،حي الخشونة و الشغف بالمجهول،لكن الصابري ليس أثينا،الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الصابري مع أثينا هو أن العالم غير مرئي بدون البحر،وضع والدي في يدي جواز سفري ودفتر من صكوك “توماس كوك” وقال:”أذهب هناك ما هو أكثر من الكتب في انتظارك”،والدي فعل ذلك بدافع من تقدميته التي لا يدرك هو نفسه معناها،كان يريد أكل العالم بقشوره ولم يكن لديه الوقت،وهو يقف خلفي على سلم الطائرة شعر أنه منحني هذا الشرف،كنت قد حصلت على كورس في اللغة الانجليزية بمعهد “ستي آند قيلدز” في ليبيا،ربما هذا ما شجعه أكثر على الشعور بأن الأمر يستحق،أثينا كانت خيبة أمل كبيرة،التاريخ شيطان ويحب تلك النظرة على وجوه من يبحثون عنه ولا يجدونه في اللحظة المناسبة،لا وجود لربات الفن،لا وجود للمكان الذي اخترع فيه أفلاطون سقراط،لا وجود للمكان الذي تناول فيه سقراط السم بعد لعنه للكتابة وكل من أحبها،لا وجود للمكان الذي اخترع فيه هوميروس آخيل أو هيكتور،فقط موجود حي بلاكا الذي تختبئ فيه الحانات و الكثير من العاهرات،كان حي الفرصة الجيدة لفهم التجانس بين الفضيحة و المعرفة،بمساعدة من شاب ليبي تركت اليونان إلى يوغوسلافيا ومنها إلى المجر،كان القطار يعبر أرضا باردة وحزينة،ملامح الناس تحكي عن شيء ما ناقص،بينو العجوز الإيطالي وحده كان يضحك وهو يؤكد لي أني جحش صغير،الجحش وحده يأتي إلى اليونان في هذا الوقت من السنة، كان يحدثني بحماس عن الصيف و عن الجزر الكثيرة،عن النساء الجميلات العاريات في كل مكان،وعن كيف أن شاب في عمري يجب أن ينام كل ليلة مع امرأة من جنسية مختلفة،صوت بينو يخرج من المقصورة إلى القطار كله،شعرت أنه فضحني،لكن الرحلة الطويلة بدونه كان يمكن أن تتحول إلى جحيم بدونه،لم أعرف كلمة الاشتراكية إلا في تلك الرحلة،لم أسمع باسم ماركس إلا في ثنايا شتائم بينو،تعاملت مع كل شيء في هذه البلدان وكأنه لا يخصني،لم أتوقع أن تتحول ليبيا بين عشية و ضحاها إلى بلد يتم فيه التسوية مع الاشتراكية،فجأة تم إغلاق كل المحال التجارية لتحل محلها أسواق عامة،وجمعيات استهلاكية،يتحول الشعب فجأة إلى جيش،والعمال إلى منتجين وشركاء،الكتب و الآلات الموسيقية تحرق في الميادين العامة باسم الثورة الثقافية،شعار المد الثوري كان التصفية و القمع وضرب أعداء الثورة بيد من حديد،في تلك الأيام كل أم عرفت الندم لأنها علمت ابنها الانتصار في الشارع،الانتصار في الشارع يعني الذهاب إلى السجن،الثمانينات كانت مرحلة الرعب و الفزع،كل يوم من أيام هذا العقد من الزمن في ليبيا يشبه الوقوف في يوم القيامة،ضغينة و حقد،سجون ومشانق،وموت بلا أسف.

مقطع 3

التفكير في اتصال ياسمين من عدمه من شأنه أن يجعلني متوحشا وخطرا،لهذا قررت عدم التفكير،كلام رواد ساعدني على اتخاذ هذا القرار،وربما هي غريزة المحافظة على النفس،لكن وجه ياسمين يريد من يتقدم لا من يقاوم،الانتظار جميل، الانتظار ممارسة عامة،الانتظار ما هو إلا انشغال نظري بأمور يستحسن عدم الحديث عنها،في الانتظار كل شيء يتغير،حتى سبب الانتظار نفسه يتغير،لحسن الحظ ياسمين ليست شعاع نور يعبر و يختفي،رنين هاتفي مد أصابعها النحيلة إلىَّ مرة أخرى،لم أكن قد غادرت الغاليري بعد،قالت بشيء من التردد:”هل تعرف مقهى أروما؟”،”نعم”،”غدا العاشرة صباحا”،”اتفقنا”،صوتها له تأثير،كنت أقف وحدي وسط غاليري أتاسي،كنت قد شربت الكثير من النبيذ،وهذا ربما ما ساعد على إغلاق الباب الذي يأتي منه كلام رواد بطريقة تضمن أن لا يحدث أي صوت بعد ذلك، خرجت من الغاليري،لمس وجهي الهواء البارد،كان الليل قد أرخى جفنيه على طول الطريق إلى الشقة بحي التجارة،والتي استأجرتها عن طريق رواد،كان وجه ياسمين أمامي،أنظر إلى النجوم و أسمع النداء الذي لا يقاوم،قلت في نفسي ما قاله فارتر:”أنا أرى الدب الأكبر أحب النجوم إلىَّ”،لا شيء في هذا الليل قلق أو غير مستقر،أنا و الليل ننام،نستيقظ،ننام،نستيقظ،وفي لحظة معينة غرق كل شيء في النوم إلا وجه ياسمين فقد كان هناك هو القمر وسط الليل.

الناس في ساحة النجمة يتابعون رحلتهم اليومية،دمشق زهرة ياسمين تتدلى من السماء،رائحتها فريدة ومثيرة لكل الحواس،جبل قاسيون يشرب كأس ماء على مهل،في قمته مجنون يدرس مع السماء سوناتة لكيتس،أنظر عبر زجاج مقهى أروما إلى انحناءات الحياة في كل الوجوه الطيبة التي تمر من أمامها،أسمع صوت دمشق و هي تقول لهم:”كم أتمنى أن ألمس وجوهكم الرقيقة و الشاحبة ،كم اتمنى ان أعدكم بحياة لا يتدخل أحد فيها،كم أتمنى لو يختفي الزهد الاجباري و التقشف المفروض عليكم،كم اتمنى أن يختفي الغني الذي ينظر إلى امتلاء معدة الإنسان كنوع من الضرر،كم أتمنى أن لا تكونوا فقراء مفلسين ومستعدين لإغواء الظلم،كم أشعر بالاحراج أمام طيبتكم التي لا يستحقها هذا العالم”،أنا ضعيف أمام كل هذا الجمال الذي يتنزه في شارع الحمراء،أمام قاسيون وهو يبتسم للفقراء،سمعت صوت خطواتها وهي تصعد الدرج،ظهرت ببنطلونها الجينز وحذاء أسود بعنق طويل،يديها في جيوب معطفها الأسود،تحت المعطف بلوزة حمراء من تشكيلات الكسندر ماكوين إذا لم تخني الذاكرة،خلعت معطفها وجلست أمامي،بشرتها البيضاء محاولة مخلصة لتخليص العالم من السواد الذي في قلبه،أحمر الشفاه يؤكد أن الإنسان قادر على عمل ما هو أفضل،العيون تنصح اليوم بالقيام بلعبة الشغف و الحزن في وقت الفراغ،شعرها القصير يصل بسهولة إلى ذقنها ويغطي خدها بحنان،عندما تحرك أصابعها تتناثر شظايا الالوان في كل مكان،لا شيء يصل إلى خصلة شعرها البيضاء لأنها خارج مرمى الليل،خارج مرمى السواد الذي يغطي وجه الحقيقة،لا تعرف عني إلا نفس القدر القليل الذي أعرفه أنا عنها،أشعلت سيجارة في اللحظة التي وصل فيها فنجان القهوة أمامها تماما وقالت:”اخربني أي نوع من النقاد أنت؟”،”من النوع الطيب على ما أعتقد”،ضحكت ونظرة إلىَّ نظرة تبعث على النشوة فقلت:”أنا مجرد ناقد،أو قارىء مهووس بالنصوص الجيدة،هل عليَّ أن ألتزم بأي منهج كان؟،هل عليَّ أن أكون فقيه لغة؟هل عليَّ أن أكون بنيويا أو شكلانيا؟تاريخ القراءة ليس تاريخ فقه اللغة،ولا هو تاريخ نظريات الأدب،تاريخ الأدب هو تاريخ النصوص و الكلام عن هذه النصوص،الكتابة مهمة يقوم بها الجميع،أما النقد فهو مهمة سرية وذات طابع شخصي”،نفثت دخان كثيف من بين شفتيها وقالت وهي ومبتسمة :”الكتابة قادرة على أن تسبب ألما ما”،”نعم أعتقد أنها لا تختلف عن الحياة في هذا الصدد”،”نظرتك ليَّ ليلة البارحة في غاليري أتاسي لم أفهم منها ماذا تريد،عن ماذا تبحث؟صديقة،حبيبة،عشيقة؟”،”ولماذا عليَّ أن أختار؟”ضحكت وهي تشعل سيجارة أخرى وقالت:”لأني مثالية في واحدة منها فقط،كلمة عشيقة تحيرني،إنها كلمة توحي بالشر بالنسبة لمعظم الناس،أي تفكير في هذه الكلمة لا يخلو من هفوات،العشيقة شخص لديه ما يكفي من الذكاء بحيث يقبل أن يكون الشخص الثالث،ليس لكلمة عشيق نفس النبرة التي لكلمة عشيقة،نبرة عشيقة فيها قسوة و نوع من اللؤم،أتذكر الآن كيف صدمني أنا الماركسية أن يكون لماركس عشيقة،هل تعرف أي شيء عن هذا الموضوع؟”،نظرت إليها وهي تعض شفتها المرتعشة وقلت:”كنت أعتقد أن هذه العشيقة ما هي إلا موضوع هجوم على ماركس من أعداءه”،قالت مبتسمة:”حقا هكذا تعتقد؟ أعداء ماركس قاموا بالتحقق من كل شيء إلا إنسانيته،وأصدقاء ماركس حذفوا كل شيء ليكون ماركس ملاكا،ماركس حارب وحشية العالم،لكن لم يكن هو نفسه أقل وحشية منه،كان أنسانا بأتم معنى الكلمة،لهذا تغلب على العالم،المهم المرأة التي نتحدث عنها كان اسمها هيلين ديموث ولدت في 31 ديسمبر 1820م،بنت صغيرة من قرية تسمى ساكنت يندل،لم تعرف في حياتها سوى الأرض،أبوها فلاح،أمها فلاحة،طفلة لكن تعرف جيدا غلاظة الحياة وعدم مرونتها،الفقر ليس سوى نقص في الحياة،عادة ما نجد له تبرير سخيف و سطحي،دائما ما أفكر فيها وهي تمشي خلف والدها في ممر بيت البارون لودفيغ فون ويستفالن مستشار الحكومة ووالد جيني زوجة ماركس في المستقبل،تصور بنت في الثامنة من عمرها لم تعرف الحياة إلا في شكلها الوضيع و القبيح وهي تمشي بين قطع أثاث فاخرة،الكتب،اللوحات الزيتية،السجاد،الهواء المعطر،كل شيء في هذا المكان مفاجأة حقيقية،أما هي نفسها فقد كانت المفاجأة عندما وصلت إلى بروكسل في أبريل 1845م كهدية من والدة جيني لمساعدتها في رعاية الأطفال،كانت هيلين بارعة في كل شيء،الطبخ،الغسل،الكنس،والخبز، وصنع البيرة بالطريقة المحلية،جيني كانت بارونة مدللة لم تكن قادرة على تحمل الدوار بسبب صعوبة الحياة،لكن “لينشن” وهذا اسم هيلين داخل عائلة ماركس كانت ابنت الفقر،ابنت الشعب،لهذا تركت جيني كل شيء لهيلين،تركت البيت و ماركس للسفر والبحث عن الدعم المالي للعائلة،ربما هذه المرة الوحيدة التي تأخذ فيها العشيقة دور الزوجة،والزوجة تتحوّل إلى عشيقة،لهذا كلمة عشيقة توحي بالمفارقة وهذا ما يرعب الناس منها،العشيقة تشير إلى عمل دون انتظار مكافأة،إنها مكان الغيرة والامتعاض و الكراهية و الكثير من الأسف،لهذا أنا أقف أمام هذه الكلمة بعيون مغمضة حتى لا أرها”.