لا أحد يأخذ موضوع المتعة بجدية،لا وجود حتى لمجرد حفنة من المقالات عن المتعة في حضارتنا،الأمر الأساسي في المتعة هي أن تكون بطيئة و طويلة،لا أحد لديه الوقت هذه الأيام،لهذا تحل الملذات السريعة محل المتعة،عرف الناس عبر التاريخ أن المتعة البطيئة و الطويلة تحتاج إلى تحمل الكثير من المعاناة،التفاعل بين المتعة و الألم أمر معقد جدا وله تاريخ طويل،المتعة متهمة و مشبوهة لأن لها شهية لا تشبع و خيال ليس له حدود،هناك قصائد سيئة السمعة،كتب لها سمعة سيئة،كتَّاب متهمين بتهديد الاستقرار لأنهم متعاطفين مع المتعة،كأن كلمة المتعة مرتبطة بالجنس فقط،يقول كونفوشيوس على الرغم من أنه مدفوع بالفقر لأكل الأعشاب البرية،إلا أنه سعيد حقا،لأن العوز الحقيقي الوحيد هو أن يكون بدون فضيلة،لكن من قال بأن الأكل في أفخم مطاعم العالم يتعارض مع أن تكون لديك فضيلة،هذه الثنائية هي ما يوسع الفجوة بين الحياة الملموسة و المثالية،سينيكا كان يتحدث عن الحكمة و الفضيلة،ومع ذلك كان بيته مثالا على توفر الكماليات البارزة،الأثاث الفخم،الطيور،الحديقة الواسعة،النبيذ في قبو البيت من أقدم و أفضل الأنوع،في كل ارجاء البيت عبيد صغار السن بملابس حسنة،أما أقراط زوجته فقد كلفت الإيرادات السنوية للأسرة،كل شيء في البيت كان علامة على الفخامة و الذوق،هؤلاء الحكماء يحبون المثل الأعلى للعيش دون متعة،لكن يكرهون هذا المثل الأعلى إذا تعلّق الأمر بحياتهم الخاصة أو بيوتهم،يفضل أن يعيش أهل روما كلهم كمتسولين فوق جسور نهر التيبر،أو بالقرب من معابد المدينة،أما الحكماء فلا علاقة لهم بهذا الأمر،الحكمة هنا تشبه نصب كمين للفقراء للسيطرة عليهم،ساد كان يعتبر فضح هؤلاء الافاقين أكبر متعة.
إن اقتران السعادة بالفقر و الجوع و الحرمان دمر هذه الكلمة وجعلها فارغة من كل معنى،هذا الفكر يتعمد الكلام عن عدم صقل رغبات الشخص أو توجيهها إلى المكان الصحيح،عدم تطوير الذوق،وجعل متعة الإنسان تعتمد على الآخرين،لهذا ليست حياتنا أكثر من سعي دائم وراء خيبات الامل،والبحث عن مستحيل لا معنى له،كل يوم هو حلم وظل و رؤية غير واقعية،هذه هي حياتنا بدون البحث عن المتعة في أبسط التفاصيل،هم يقولون إذا أردت الحصول على السعادة فيجب أن لا تفكر في المتعة،لكن الحقيقة هي أننا لم نحصل على السعادة و لا فكرنا في المتعة،هذا الوهم الخشن و المبتذل جعل حياتنا مجرد تنافر بين الإنسان و التاريخ،الكآبة التي نشعر بها جميعا هي معاناة بسبب نقص المتعة،الكآبة لا تعني المعاناة البحتة،بل تعني الشعور بالفراغ و العبث و عدم وجود أي معنى لأي شيء،وبهذه الطريقة أصبحت متعتنا الوحيدة هي حزننا الحميم،هناك فرق بين حزن الجلاد و حزن الضحية،لأن الضحية تعيش شعرية هذا الحزن و تخلق منها أدب وفن و جمال يشبه استنشاق هواء البحر بنشوة مفرطة،أصبحت العزلة هي المتعة الوحيدة المتاحة،ربما يستمتع الإنسان بقراءة كتاب أو ضرب مؤخرة زوجته (إذا سمحت له بذلك)،ربما يسافر و يتجول في شوارع باريس ولندن أو يعيش في كوخ في غابة بعيدة،مع ذلك هو في عزلة بعيد عن المتعة الحقيقية،العدالة،الحرية،الكرامة،هذه بعض المتع الحقيقية الممنوع الحديث عنها،أن تستمتع بحريتك،بكرامتك،بالعدل فهذا امر مرفوض،عليك فقط أن تستمتع بمازوخيتك في أن تتألم من الفقر و المهانة و الذل و الاستعباد،لهذا المتعة مشبوهة و متهمة،لهذا هناك رعب و خوف مؤلم من المتعة،خوف حتى من متعة الصرخة العفوية أو التنهد في لحظة ضيق،لغة المتعة هي لغة فورة الحرية،هي اللغة الحزينة بإقراط،لغة ناتجة عن ألم لا يمكن عزله أو نسيانه،بينما متعة الآخر المسيطر و الذي يمارس سلطته هي أن أخرس و أموت.