نحن

لقد خرجنا ببطء من يد الرواية الوحيدة لحياتنا،حياتنا التي بالكاد تخون الملل و اليأس،الحياة التي لا نتكلم عنها بصراحة قاتمة كما ينبغي،ليس لدينا في بيوتنا كراسي من خشب البلوط الثقيل،و لا نوافذ فرنسية أو غرفة طعام مصممة على الطراز الانجليزي،بيوتنا لا تحب التفاصيل،ما يهم هو  السقف العالي و الأرضية الصلبة و غرف تشبه كهوف ما قبل التاريخ،نحن الذين لا يملكون إجابات منمقة عن الأسئلة النرجسية،نحن الذين ينظر إلينا الواقع ويرفع يده بإشارة ساخرة و غير مباشرة،نحن أولاد البلاد التي لا تعرف التجول قرب ضفاف الأنهار،نحن أزواج بنات زعيم القبيلة،نحن الذين هربت منهم الشمس في اللحظة التي كان يميل فيها العالم في قلوبهم،جيل بعد جيل نعيش مثل التموجات في بركة فارغة لا تصل إلى شيء،نموت مثل السمك المتعفن على شاطيء الصابري،نحن الذين لا ينظرون إلى واجهات المتاجر،و لا يتحملون عبء اختيار الملابس أو شراء ورقة يناصيب خاسرة،نحن الروح البائسة التي تحوم حول العالم بحثا عن ضريح ملائم،عن ممر بدائي خلف خطوط الألم و الحنين،نحن الذين لا يفكرون في الأيام إلا كلعبة رمي الساهم،و السنوات كتبادل لإطلاق النار،نحن المغرمين بالأدب الذي لا يقرأ إلا في خزانة أو تحت السرير،العلقين على حافة النكات البذيئة،نحن المشتبه بهم،الذين تزداد مشاعرهم مشهدا فائقا مع التقدم في العمر،نحن الذين مرت عليهم قرون من الزمن يبحثون عن كاتب سعيد و لا يشكو من العزلة،نحن الغافلون عن اللحظة التي رتب فيها العالم الأشياء فأصبحنا عيب في وجه المشروع الدرامي،نحن الذين يتجنبون الذهاب إلى السينما لأن خيال الصحراء لم يصنع لنا واحدة،أو لأن الواقع يجب أن يكون مطابق لنفسه بدرجة كبيرة،نحن الذين تجمعهم نفس اليقظة و نفس اليأس،تجمعهم الحانات في الوقت الذي لا توجد فيه حانة،تجمعهم العربدة في الوقت الذي لا مجال فيه للعربدة،يجمعهم المكان الأكثر غاربة وهو مكان الألم،نحن العنيدين بعيون مفتوحة و آذان مفتوحة أمام حياة مزيفة،الذين يحاولون الاتصال بسبينوزا لحل مشاكلهم،النادمون على عدم الموت في اللحظة المناسبة،نحن المتمسكين بطفولتنا،بلمسة أمهاتنا،المتمسكين بقوس قزح و مأزق الأرق،نحن المكونين للحكايا المائلة،كتّاب الرسائل القصيرة الجميلة،الهياكل الناعمة في زمن الخشونة،نحن أصحاب العيون الحزينة،الذين يشبهون جرس كبير يتأرجح جيئة وذهابا،نحن الذين لا تعرفهم البنوك،و لا شركات التأمين على الحياة،العالقين في الحب كفراغ نظيف في عالم قذر،نحن العصي المنحوتة،السكاكين المهملة،الظلال المقدسة،الطيبين كضوء الموت،المجرمين كالحريق في غابة،مزلنا هنا نشم الواقع،و كفوفنا مفتوحة أمام السموات البعيدة،بالكاد يزحف الموت إلى قلوبنا و لدينا مواسم كاملة للتفكير فيكم أنتم.