الحياة اليومية في المدينة تختلف عن الحياة اليومية في الريف،في المدينة اليوم هو صور حسية و ذهنية و مجموعة كبيرة جدا من الانطباعات المتكررة و إيقاع ثابت من التعودات،ما يهم في المدينة هو الانجاز الموضوعي القابل للقياس،أما علاقاتك العاطفية و الحميمة فهي على هامش الحياة اليومية،هناك حقيقة واقعية للغاية و هي أن المال في المدينة هو صاحب الكلمة الأخيرة،و المال هو ما يعطي الحياة اليومية شكلها،الحياة اليومية مكوّنة من الفضاء و الوقت،و الحياة اليومية هي ما ينتج الفضاء و الوقت،الفضاء مرنبط بالواقع الاجتماعي،الفضاء غير موجود بحد ذاته،والناس باجساهم و احساسهم و علاقاتهم و خيالهم و ايديولوجياتهم هم داخل الوقت،الوقت هو التنظيم التاريخي لكل هذه العمليات التي ينتجها الواقع الاجتماعي،الفضاء و الوقت لا يمكن فهمهما إلا في سياق مجتمع معين،هناك مساحة المعيشة،مساحة العمل،مساحة التنقل،مساحة المقهى أو الحفلة،هذا ما يشكل الفضاء المكاني للحياة اليومية،و لهذا نحن نشعر بالملل لأننا نفعل نفس الاشياء في نفس الأماكن و في نفس الأوقات،الحياة اليومية مألوفة و متكررة و إيقاعية إلى حد كبير،حتى الأوقات التي نعتقد أنها خاصة جدا و خارج هذا السياق،هي في الحقيقة مرتبطة بقضايا عامة،ومع ذلك فإن الحياة اليومية هي الحاضر الغائب،لا أحد يفكر فيها،نعتقد جميعا أن ما يحدث يوميا هامشي و تافه و لا يستحق إعادة النظر فيه،لكن الحقيقة أن الحياة اليومية في كل مكان تخضع للسيطرة و المراقبة و التنظيم من قبل المجتمع و السياسة و الاقتصاد،أما الفن بوجه عام فهو ما يوثق الحياة اليومية ليمنحنا فرصة إعادة النظر في سياقها العام،الفن هو ما يجعل الحياة اليومية مرئية بشكل مثير،الإعلام يعمل على عزل الناس عن حياتهم اليومية و الظروف الحقيقية لوجودهم،أما الفن فيضعهم في مواجهة مدى وعيهم بحياتهم اليومية،و هو طريقة الإنسان في مقاومة الحياة اليومية الرديئة،الفن يجعل المألوف غريبا عنا،و قابل لأن ننظر إليه نظرة موضوعية،لدينا فرصة عند قراءة رواية أو مشاهدة فيلم أو الوقوف أمام لوحة للتفكير في حياتنا اليومية،للتفكير في ما هو مرغوف فيها،فرصة لإختيار ما يخدم حياتنا اليومية و يجعلها أكثر متعة،إنها فرصة تمنحنا نظرة للمألوف و كأننا لم نراه من قبل،لابد من التعامل مع هذه الفرصة كمشروع لربط حياتنا اليومية بمعنى ما،هي خطوة للوراء نستطيع من خلالها الذهاب إلى أعماق ما نفعله يوميا بشكل روتيني و ربطه بمستوى أعلى من المعنى،يمكن الطعن في سلوكنا اليومي من خلال الفن،يمكن الاعتراض على خيارتنا اليومية من خلال الفن،ويمكن معرفة من يحدد سياقها و يراقبها و يسيطر عليها،ومن وضع قواعدها وكيف يمكن كسر هذه القواعد،بهذه الطريقة يتحول الفن إلى جهاز مقاومة،جهاز مقاومة لكل ما يثير عضبنا،يثير أعصابنا،ويجعل حياتنا اليومية مجرد فصول من التعاسة الدائمة.