Skip to content

كوليت

يقول باتاي في كتابه “المذنب”:”بدأت الكارثة في صباح ذلك اليوم،كنت في الحمام،نظرت من النافذة إلى الجنود و هم يهبطون من على المنحدر،المرأة الجميلة و السعيدة غير مرئية بالنسبة لهم،أنا وحدي أرها من النافذة”،هذه المرأة البعيدة عن النافذة هي كوليت،كانت كوليت في السرير تصارع السل،تكتب عن التزلج و المشي لمسافات طويلة،عن اللعب و تجاهل الموت كنوع من مقاومة الحداثة،تطارد معنى المقدس في حضارة يعد فيها الوصول إلى القبر أو الانتحار نوعا من البهجة،أصبحت نحيلة جدا،و شعرها القصير يصل إلى كتفيها،فستانها الداكن يخبر عن حالتها،كانت تقول لباتاي،”أنا ضحية السل،على الاقل لم أكن ضحية الاستهلاك”،كانت تستخدم كل شيء كسلاح في وجه الرأسمالية،ملابسها البسيطة جدا،حياتها المتقشفة رغم الميراث الكبير الذي حصلت عليه،كانت تفهم تفسير بودلير لإستغلال الأزياء و مواد التجميل لصنع حياة حديثة و مبهرجة،تعلن أمام الجميع أن الجميل هو الطبيعي،وأن الاصطناعي كله تلاعب بعقول الناس،بودلير تكلم عن شعر يشبه المكياج،كل كلماته لا مرجع لها إلا الخداع،هكذا كانت كوليت تقاوم حمى الاستهلاك،كنت تسخر من نفسها أحيانا و تقول:”اليوم أشعر بالذنب لقد ذهبت إلى السوق و كنت ضحية الاستهلاك”،كان الطبيب قد نصحها بالكتابة كنوع من الرياضة التي تنظم التنفس،و أن الكتابة قادرة على كسر العزلة التي تعيشها في السرير،وهي كانت تبتسم في وجهه و تقول:”هذا المرض غبطة بطولية،لا يمكن منع نفسي من الاستجابة للحياة،لكن لا يمكننا التصرف ضد متطلبات الحياة،الحياة تريد الحركة،الحياة هي تدفق الدم في الأوردة،و أنا لا أستطيع الحركة و لا منع نفسي من الرغبة في العيش”،كان باتاي يجلس إلى جانبها و يتذكر صورة أمه و هي في السرير،ينظر إلى جسدها و الأماكن التي اطفأت فيها سيجارتها،أماكن كثيرة،تحكي قصصا كثيرة عن الألم و العذاب،لعلاج كوليت تم استخدام علاج يسمى دياثرميا،وهو علاج تستخدم فيه الكهرباء لتعديل الطاقة الحرارية في الجسم،و أكثر من عملية جراحية من أجل دخول الهواء إلى الصدر بسهولة،لقد عرف جسدها كل أنواع الألم و التشويه،كوليت لم تخاف من الموت في أي لحظة من لحظات حياتها،كانت خائفة من موت الفكرة،وهذا ما كان يجعلها غريبة و غامضة و مرعبة أحيانا،عندما تنظر إلى المرآة لا ترى شخص آخر غريب عنها،كانت ترى القديسة و العاهرة في نفس الوقت،لم تكن تتهرب من إحداهما لصالح الأخرى،ليست في حاجة إلى جمهور يصفق،و ليست في حاجة إلى أن تكون مدهشة أو مغرية،هي هكذا بلا تكلف أو تصنع،معارضة لكل أنواع الظلم،لكل أنوع القمع،شفافة كالماء،نقية كالسماء،حرة كالريح،تحب اسم “لور” الذي أطلقه عليها باتاي،لأنه يشكل الفارق بين أن تمثل أنك تعيش،و أن تعيش بشكل حقيقي،في كقصيدة لها تقول:”ملاك أو عاهرة..أنا على استعداد..لتقبل كل الأدوار المقدمة لي”،كانت تشعر بالتقزز من المراوغة المثالية،”أنا من يركب الريح ..على وقع إيقاعات غيوم مجنونة..أتسول الصداقة..لأني متوحشة قليلا”،كوليت رفضت الموت في المصحة،أرادت أن تكون مع باتاي و صديقها ميشيل ليريس في لحظاتها الأخيرة.