Skip to content

أنتِ و بورخيس

 

 

بورخيس جميل و غريب،ربما هو الشخص الوحيد الذي حاول بناء مكتبة تجمع كل كتب العالم في مكان واحد،هذا النوع من السعادة الباهضة يحدث فقط بدافع الحب أو القلق،هذه المكتبة من شأنها أن تجمع كل المعرفة المتراكمة عبر التاريخ،في مكتبة بورخيس يمكن أن تجد الكتب النادرة،الكتب المفقودة،وربما الكتب التي لم تكتب بعد،هذه المكتبة المؤثثة جيدا،وفيها بعض الغرف الصغيرة الحزينة في أيام الشتاء،هذا البناء الفخم لا يحتاج إلى أمين مكتبة يقرر من شكل الكتاب فقط إذا ما كان عديم الفائدة أو لا جدوى منه،بالنسبة لبورخيس سيتخلى عن التقليد الرهباني القديم وهو تقييد الكتب بالسلاسل خوفا عليها من السرقة،لكنه معجب جدا بطريقتهم في السفر لمسافات طويلة لنسخ كتاب،وهذا ما حافظ على الكتاب في الشرق و الغرب،بورخيس العجيب يحب الكتب المليئة بالذاتية،يحب كتابات كافكا،جويس،الآن روب غرييه،لأنها مليئة بالمزالق التي نتعثر فيها جميعا،هذا الأعمى الجهنمي يكره عدم الكفاءة،ويكره أكثر الكفاءة المزيفة،يجلس بورخيس وحوله كراسات صغيرة مليئة بالملاحظات،اوراق فضفاضة عليها بعض الاقتباسات الطويلة،أفكار تبحث عن طريقة بديلة لرؤية الكون و الفضاء و الوقت،أكوم متراكمة من العناوين بداية من الأبراج وحكمة الكرة السماوية إلى رأس المال لماركس،لأنه أعمى و يسمع بطريقة مختلفة عنا لا يسمح مطلقا بأي ضجيج في الشقة الصغيرة،وعندما يكون لديه ما يفعله في الخارج ينزل الدرج واحدة تلو الأخرى،ببطء و على مضض و هو يستمع إلى كل صوت خلفه لمعرفة إذا ما كانت الكتب تمشي خلفه،أنا أحاول أن أكتب شيئا يجد طريقه إلى مكتبة بورخيس اللانهائية،أريد ببساطة أن ينشر كتابي الفوضى في هذه المكتبة،لأن الكتاب عنكِ فهذا يعني الكثير من الجمل في حالة سكر،الكثير من الكلمات الجميلة و المقاومة لمعنى الفشل،الأسطر وعرة مليئة بالمفاجآت المضحكة،الصفحات مكتوبة بعيدا عن أسطورة الإلهام وتشبه قطعة الحلوى الكبيرة،القاريء الجيد سيكتشف الصعوبات التي لا يمكن التغلب عليها لوصف طريقة كلامكِ أو ابتسامتكِ التي أعتبرها قطعة فنية،لن يرضى بورخيس بسهولة برشقات نارية من القُبل في كل سطر،و لا برشقات نارية من حركاتكِ التي تثير شهوة الحبر في كل بياض بين كلمتين،بورخيس الأعمى سيفرك عينيه من فرط الكلمات البذيئة و الحميمة بإفراط،لن يتراجع بورخيس عن حبه للحكايات الخيالية ليقرأ الواقع المعقد للحب،أعتقد أن مثل هذا الكتاب سيعجب ساد و جورج باتاي و لورد بايرون،ربما أكون مع هؤلاء المجانين على نفس الرف الملعون،ليس هناك سبب واحد للكتابة إذا لم يكن الكتاب عنكِ أنتِ بالذات،لو عرف بورخيس أنكِ عفريت متعة،لو عرف أن عمر البشرية كله تحت قوس حاجبكِ،و أن هوميروس و فيرجيل و هوارس كانوا يستريحون من عذاب الشعر تحت رموشكِ،ربما تساهل مع كتابي و لم يفكر في تركه وحيدا مثل منبوذ خارج المكتبة،هو وحده سيلاحظ أني أكتب عنكِ بالكلمات عديمة الشكل التي يعتبرها الفحول مجرد خردة،كلمات لا تقبل النظام أو أن توصف بنفس الطريقة التي وصف بها فرويد غوته،سيلاحظ أنكِ في كتاباتي فرح لا يمكن التغلب عليه،وأني و أنا معكِ في الغرفة الصغيرة الحزينة و الشاحبة أستمتع بمضغ العالم و تحويله إلى سماد،كل ما يحتاجه الأمر الآن مُخرج جيد،يوزع الحواشي التي كتبتها عن أظافركِ الحالمة،ينسق صوركِ الكثيرة مع الانتباه للهوامش الشبقة في كل صفحة،بورخيس لن يفكر في القيود المفروضة على الكتب التي لا تتحدث عن الأساطير و الخرافات و الرحلات الطويلة،سيأخذ ثلاث شعرات من شعركِ القصير،ويذهب إلى مغاره بعيدة بالقرب من الصخور السوداء،يطلب من القمر الفضي النزول إلى الأرض ليكون إلى جانبه في هذه اللحظة،تجلب نسائم المساء معها قطرة ندى من الجبل السحري،يجرح بورخيس نفسه بعد أن يشعل النار،تهبط قطرة الدم إلى النار ببطء،تلمع قطرة الندى السحرية على جبهة القمر،يضع الشعرات القصيرة في النار،فجأة يعود نظر بورخيس إليه،يفرك عينيه ويلعن العمى،وينظر بحنان إلى وجهكِ الجميل على صفحة كتاب.