Skip to content

جلسة مع دانتي

الحياة..الألم..الحرب..الحزن..المرض..الموت..إفلاس اللغة،عجز الجمال و الفن عن إحداث أي فارق يذكر،كأن وجودنا سرد غير مباشر في رواية عن الأكل و الشرب و النوم،لا خريطة لروحك،أو فهم لمعنى شظايا جسدك المتناثرة في ساعات اليوم،الطريق إلى المنزل تشبه المنفى،تنهار في كل لحظة بشكل عاطفي جدا،و عندما يحدث ذلك تطلب فنجان قهوة و تتمنى أن يشعر النادل برغبة في تفجير رأسك،تستيقظ في هذا الجو الحار نصف عار تبحث عن صوتك أو ذراعك التي نسيت التلويح بها لأحد،المكتب في العمل منفى قسري،و رئيسك له شكل شر غريب و مرعب،و على شفتيه ابتسامة ميتة تسأل عن قبرها،يجلس دانتي جنبك و يصف لك الجحيم الذي تحدث عنه،فتشعر أنه لطيف و يشبه النظر من شرفة فندق،تتذكر الجلوس بجانب زوجتك في طابق في نهاية العالم،فتشعر بأن العالم يجدد فكرة موته،تتمنى لو أن حياتك تتحول إلى لحظة حرجة من تاريخ الأدب،تتمنى لو أن السيجارة تتحول إلى نهر من الحمم يحرق كل هذا القبح من حولك،تضحك من الجالس في الطاولة المقابلة،شخص يشبه أبقراط لكنه مريض و لديه مخاوف فلسفية،يحاول كشف غموض هذه الحياة لكنه ضيع لغته الخاصة ووصل إلى اليأس التام،فتاة تنظر إلى هاتفها النقال و تبعث بتحياتها إلى كل صديقاتها المملات،ترسل الرسائل بلا كثافة شعورية أو تفاني،تعيش مغامرة مفجعة مع الوحدة،و تفكر في الحب كالحبل يمتد فوق هاوية النفاق التاريخي للرجال،و الحبيب لا وجود له إلا في سؤال سقراطي لا أحد يعرف الأجابة عنه،دانتي لا ينكر اللحظات السوداء في عمق الإنسانية،و يثرثر عن أن الكسل هو المتهم بكل شيء في الجحيم،لكن من وجهة نظره الكسل لم يستثمر جيدا،لم يذهب الجميع للعمل و فيه الرئيس ذو الابتسامة الميتة حبا في العمل،بل حتى لا يقال عنه فلان كسول،القانون يقول من لا يعمل لا يأكل،المال الكثير يجلب الكسل،لهذا يجب أن تكون المرتبات مجرد دراهم،لا لشيء إلا الخوف من كسل الناس،الجو هو سر النظام السياسي في جحيم دانتي الذي يمثل الحياة،دانتي ثرثار و يحب فضح أسرار الجحيم الأرضي،يشرب القهوة ببطء،يفعل ذلك و هو يقول:”البطء يعزز شعورنا بالإنسانية،أنا بطيء جدا و أشعر بالسعادة بسبب الكسل،حب الكسل حقيقة إنسانية لكنها ممنوعة في هذه الحياة الشاقة،دانتي مشبع بخيال ناري و عاطفة آسرة،ينظر إلى هاتف الفتاة و يفكر في أن رسائلها القصيرة يجب أن تكون جزءا من الأدب العالمي،ماذا يمكن أن يصنع العالم بتوضعها،بتسامحها،بحساسيتها تجاه الثناء على جمالها،لا شيء،جمال الحياة في عدم إكنمالها،جمالها في أنها تقريبية و غير دقيقة،دانتي صمت أخيرا،أخذ رشفة من القهوة و ضع الفنجان،كانت نظرته تحاول عبور الحدود إلى الوقع اليومي،أن تقرأ رسائل الفتاة القصير،أن تبحث في وجه أبقراط عن دواء،أن ترى إجابة للسؤال السقراطي في عيون النادل،أن تبعد شبح المخاوف الفلسفية في الوقت المناسب،دانتي قال قبل أن يذهب:”الخسارة لا تنتمي للحقيقة بل إلى العدم”كتبت الفتاة هذه الكلمات في رسالة قصيرة إلى حبيبها الذي لم يكن له وجود.